نشر الكاتب السوري سامر رضون مقطعاً من مسلسله الجديد “دقيقة صمت” عبر حسابه على “فايسبوك” كاشفاً عن جزء مثير من المسلسل الذي سيعرض في شهر رمضان.
وقال رضوان: “استيقظت أغلب بيوت القرية على طرقات أشرف العواد، كان يقول جملة واحدة ويمضي من دون انتظار الإجابة:
-لا تطبخوا اليوم ، غداؤكم جزء من نذر أقوم بوفائه.
وعندما انتصف النهار، امتلأت شاحنة الطحين بخمس حلات كبيرة من البرغل المطبوخ بزيت الزيتون، وخمس حلات من الدجاج المسلوق والمقطع، وبدأت تسليم الحصص بتنظيم مدروس، بيتاً بيتاً.
كان العواد يقوم بذلك منفرداً وبهمة فريدة، غير آبه بدعوات المساعدة التي اندلقت أمامه بانسياب، فعندما عرضت عليه إحدى الجارات العون، قال لها:
– لا أحد يساعدني بتوزيع الطحين على الأفران وعليكم ، فلا معنى لقبولها الآن .
أصر الرجال الذين اجتمعوا في مضافة المختار مساء ، على أن أشرف العواد صار رجلاً آخر بعد رؤيته لجثة غدير ناصر الذي تم دفنها في مقبرة القرية ، انقلب المشهد المخزّن في ذواكرهم خلال أربعة أيام فقط ، من صاحب صوت زاعق لا يهدأ، إلى مستخدم لطبقة صوتية ناعمة هامسة. ومن بائع ذي عين وقحة بصّاصة ، إلى ساع لرزقه بنظر مغضوض خجل.
“لم يكن مؤمناً في يوم من الأيام حتى ينذر “- قال أحدهم -،
وتابع آخر : “صرت ميالاً إلى تصديق رؤيته لجثة غدير . أما المختار فقد فضّل أن يقلّب أوراق تاريخ العواد في ذهنه، قبل أن ينقل استخلاصاته، وما سيبنى عليها.
تستطيع تسميم أهل الجابرية بخرافة متقنة الصنع، تستطيع جلدهم دون سياط باستحضار شخصية دينية فقط . هكذا علّق الدكتور كاسر المصطفى على رواية والدته لما حدث في القرية أثناء غيابه، قال لها : يكفي أن يُذكر أمامكم بول الإمام علي حتى ترتجفوا ،أقدام الماضي ستدوسكم واحداً واحداً يا أم كاسر” فوضعت يدها على فم ابنها كي لا يكمل ويورط نفسه مع الصالحين.
“لا يعود ميت من موته يا أمي، بخلعة أو من دونها لا يمكن أن يعود. غدير ناصر غادرنا قبل ثلاثة أشهر، وهذه فترة كافية كي ينهي الله كل معاملاته الحسابية معه” قالها بصوت غاضب
– “إنه على كل شيء قدير، أقبّل قدميك لا تكمل، الخطيئة في حق الأولين لا يردها استغفار” علقت والدته.
انتهت الجلسة بعد هذه الجملة ، والنزق يتطاير من حركاته وهو يغادر البيت .
يمشي الدكتور كاسر باتجاه الشارع الرئيسي وعيناه توزعان العتب على كل ما يقع عليه بصره، على ملابس رجل عابر رمى السلام وتابع في تيه خطواته، على امرأة اضطجعت أمام مصطبة بيتها وكأنها في غرفة نومها، على قطع الغسيل التي نشرها أصحابها ببدائية قادرة على انتزاع ابتسامة ساخرة، وعلى كتابات بذيئة كتبها الأولاد على الجدران ولم يهتم أحد بمسحها. كل شيء في هذه اللحظة مثار استياء عينيه، حتى شجرة التين التي طالما حياها باحترام شعر بسخافتها، أحس بأنها تشبه سكان قريته وتنتمي إلى جهلهم، وإلا ما معنى أن تجيء بها الريح إلى هذا المكان المجنون وتقبل الحياة، فلو كانت تمتلك ذرة عقل لما وافقت على النمو هنا، قبل مئة خطوة عن مضافة المختار .
يهز برأسه يمنة ويسرة وهو يستحضر كلام والدته عن عودة غدير ناصر من الموت، يتذكر ما كان يقوله لأبناء دفعته من طلاب كلية الطب : قريتي نبتت على غصن دالية، بيد أن الخوف سقاها والخرافة أطعمتها، لهذا من الطبيعي أن تشاهد رجلين يسكران والخوف من نار جهنم حاضر بين رشفة وأختها، وتكتمل فصول السمر لحظة استدعاء قصص الجان” إنها قريتي يا سادة، فإن لمحتم اسمها لا تقربوها حتى بهدف التمرين”
يصل كاسر المصطفى إلى مضافة المختار، يقف بفم الباب محدقاً بالواقفين انتظاراً للمصافحة، لكنه لا يتقدم خطوة واحدة ، يشابك يديه على صدره ويسأل بلهجة حادة : يا شيخ أبو إبراهيم ، قررت الزواج من ريم أرملة غدير ناصر، لكن خروج جسد زوجها من القبر قد عطّل المسألة وأنا أحتاج إلى فتوى صريحة. تبادل الموجودون نظرات تائهة ، فالجميع فهم أن الدكتور كاسر المصطفى جاء ساخراً كالعادة . قال الشيخ أبو إبراهيم الذي حضر إلى مضافة المختار بعد استدعاء سريع : يكفينا ما فينا يا دكتور، لسنا هواة جهل كما تصفنا ، نحن أمام حادثة يجب أن تناقش، وعندما سأله كاسر ما الذي يؤكد أنها حادثة ، حل الصمت في المضافة .
The post الكاتب السوري سامر رضوان يكشف عن مقطع مثير من مسلسل “دقيقة صمت”! appeared first on يوميات في دمشق.
from يوميات في دمشق http://bit.ly/2ZqT96P