لا تقتصر الأساليب اللاإنسانية المنتهجة من دول الحضارات مدعية الإنسانية مخترعو ومنفذو المالتوسية الجديدة في حروبهم التي يقودوها وينفذها بالوكالة أدوات صنعت بعناية فائقة عبر استخباراتهم على الأسلحة و القتلة واستباحة البشر والحجر والشجر، وإنما لديهم منظومة متكاملة بشتى المجالات من العسكرة للثقافة العنفوية للأمراض الاجتماعية للأدوات التي تسمى اقتصادية، وكلها تدمغ بخاتم المؤسسات الدولية المؤمركة من أمم متحدة وحقوق إنسان و بنك دولي وصندوق نقد ومن مبتكراتهم والتي تقر تحت غطاء الإنسانية ما يؤخذ من عقوبات تعاقب بها الشعوب والحصارات، التي تفرض بقراصنة العصر الحديث وبغطاء مؤسسات متى ما أرادت الدولة المتفردة بقيادة العالم تخالفها وترهب من يعترض قراراتها كما نجده في تعاملها حتى مع حلفاء الأمس و بمخالفة واضحة للبرامج الليبرالية والتي فرضتها بالقوة وحرية التجارة.
فلديهم غايتهم تبرر أي وسيلة كانت وغرضها من كل ذلك استمرار السيطرة والتحكم بالعالم وقطع طرق تنميته و استمرار التفوق القيادي لها واستعباد الدول الأخرى ولو بدرجات تفضيلية و صنع الأزمات التفقيرية للشعوب.
فأسلوب العقوبات والحصار هو أسلوب غير أخلاقي وغير إنساني وهو غير شرعي ولا قانوني ولو صدر عن مؤسسات تدّعي الشرعية والإنسانية وبالمحصلة الشعوب هي من تعاني الويلات من هذه الأساليب القذرة القاتلة والتي مورست سابقاً على الكثير من الدول ومنها العراق عندما كان أسلوب النفط مقابل الغذاء وغيره وما ينجم عنها من فساد و نمو طبقة تابعة لهم من تجار الأزمات والحروب هذه العقوبات تشل دور الحكومات في تأمين متطلبات المعيشة واستمراريتها و تقلل الخيارات ومصادر التوريد وما حصل ببلدنا سورية اكبر دليل فهم لم يكتفوا بالعقوبات و الحصار القذر اللاإنساني، وإنما ترافق بتدمير البنى الاقتصادية وخاصة مصادر الطاقة فاحتلوا منابع النفط والغاز و قصفوا البنى التحتية للكهرباء و الجسور والمعامل و سرقوا جزء كبير باتجاه تركيا وهربت الأموال لمن لا يعنيهم الوطن و حصرت الحكومة بين تأمين حاجات الاستمرارية بأي طرق والعقوبات التي قطعت كثير من خطوط التمويل المصرفي، و كثير من مصادر البضائع مما أدى لغض الطرف عن بعض الطرق والتي هي بالظروف الطبيعية مخالفة للأنظمة و القوانين بغية تأمين ضرورات المعيشة و كذلك أعتمد على البعض لتأمين الضرورات بالنيابة و هي من أساليب استمرارية الدولة والحياة و كان هناك خطوط ائتمانية ولو كانت مقيدة بعض الأحيان بهذه الأساليب، استطاعت الحكومة الالتفاف على العقوبات والحصار .
وترافق ذلك بتزايد الفساد ووجود التقصير في أداء بعض المفاصل، وهذه السلوكيات خلقت أزمات متتابعة بين أواخر وبداية العام من ثالث سنوات الأزمة إلى ما قبل السنة الماضية ، وكانت نتيجة قصور رؤى و استثمار تجار الأزمة و تقاعس بعض الفاسدين وضغوطات أخرى وفي هذه الفترات لم يكن الضغط والإرهاب الاقتصادي يأخذ الأولوية القصوى وإن كان يمارس بين الحين والآخر .
ولكن بعد ما حققته المؤسسة العسكرية أصبح الخيار الأهم بالتعاون بين تجار الأزمة ممن لا يريدونها أن تنتهي و فئة فاسدة لم يعلن مواجهتها من محسوبيات و قلة التوريد بحجج الحصار من الدول و هذا ترافق بسوء الأحوال الجوية و زيادة الطلب لهذا السبب ولعودة الكثير من الأهالي لمناطقهم ليتضاعف الاستجرار مع محدودية العرض وهذا ما سبب بالبداية اختناقات امتزجت مع سوء التوزيع و انعدام ثقافة الأزمات و تأمين الضروريات فقط ومع سوء بالإدارة كبرت الأزمة فوق حجمها… فعلى سبيل المثال الكهرباء ترافق كل ذلك مع استمرار الفاقد الكبير الذي يقدر بنصف الاستهلاك وكان قبل الأزمة حوالي ٣٦ بالمائة والغاز وزيادة الحاجة ومحاصرة الناقلات و تقصير بالوفاء وسوء التوزيع وبالتالي شكلت هذه الأمور عوامل ضغط كبير، ترافقت بتصريحات غير واقعية ومحملة للمواطن من المسؤولين – باستثناء الكلام الواقعي لرئيس الحكومة الذي حمل جزء منها لأخطاء وجزء للتوريد وجزء لضعف ثقافة الأزمات لدى المواطن – والحق يقال إن ما قدم رغما من قلة الإمكانيات و كثرة الدول التي تريد أن تبتز سياسياً عبر الضغط الاقتصادي وفداحة خسائر التدمير بحيث قارب ٥٠٠ مليار دولار يعد إنجاز و صمود شعبي و نجاح بإدارة الأزمة ضمن الإمكانيات..ولكن الخطاب للأغلبية غير مقنع للمواطن و الانتصار العسكري وجو الارتياح زاد من طلبات منتظري الانفراج و التكريم..يبقى الفساد معرقل لتحقيق الإنجازات و الانتصار مثلما كان مدخل لتهشيم البنى، فالإرهاب الاقتصادي..هو البديل للعسكري لفرض الحل السياسي الذي يتأمله الأغلبية على إرادة الشعب السوري وليظهر نوع متجدد من الضغط يتمثل بسعر صرف الدولار.
فمن المؤكد تداخلت أسباب متعددة للارتفاع الجديد لسعر الصرف الإرهاب النفسي ، فالحالة النفسية أحبطت وسط الوضع المحلي والإقليمي والعالمي رغما من أنها حالة غير مبررة فالأزمات لبعض السلع مترافقة بقائمة العقوبات التي صدرت بحق بعض الشخصيات و لائحة العقوبات التي تعد لها الولايات المتحدة مصحوبة ببروغندا إعلامية كبيرة كنوع من الإرهاب الاقتصادي ضد سورية ووجود أدوات داعشية داخلية مساندة لهكذا حالة، عملت على المضاربة لتكريس حالة هلع معينة و إظهار تأثر السوق بها، مترافقة مع فرق عمل على أدوات التواصل لإظهار حالة من هبوط لسعر الليرة، وهو هبوط نتيجة مضاربات و لعب لا يمثل حقيقة السوق و يخلق حالة معينة جاذبة للكثيرين للإسراع بتبديل الليرة بالدولار، و ينتج عنها ظاهرة إن لم يعمل على احتوائها تتكرس لفرض أمر واقع تواتري لسعر دولار مرتفع بعيد عن الواقع وترافق ذلك مع استمرار السياسة النقدية بدور المتفرج و التابع للسوق..حتى اليوم نفاجأ بالسياسة النقدية والتي رغما من الكثير من الأحداث والمؤشرات لم تبادر لأخذ دور القائد لسعر الصرف..التعافي الأمني وزيادة حجم التحويلات و عودة جزئية للسياحة وعودة المعابر و عودة حركة التصدير والانطلاقة الاقتصادية..
ورأينا سابقا كيف كان المصرف المركزي يتدخل لتثبيت السعر فوق سعر السوق السوداء رغما مما أتيح له من فرص كنا وقتها نتمنى أن يثبت بسعر جاهز لامتصاص أي ارتفاع فجائي ولمواجهة المضاربات وقد يكون لموضوع التحكم بالقدرة الشرائية عبر التضخم المصطنع تبرير، ولكن هناك آليات كثيرة للتحكم بالطلب بما يوافق العرض..وبشكل عام السعر لا يأتي من العرض والطلب وإنما كان الهدف التثبيت لأبعاد إستراتيجية بنظرهم ولكن لم نجد أي أبعاد لتثبيتهم و لم نجد مرونة بالسياسة النقدية والتي هي استنساخ لبعضها ولو تغير المسؤول..السياسة النقدية بشكل عام وسعر الصرف من أهم المقاييس والمؤشرات وفي ظل سياسته التي تعتمد العرض والطلب للحالة النفسية أهمية قصوى في التأثير لكن في حالتنا تمازج المضاربة وكما وجدنا سابقا كشفت حالات كثيرة لهكذا العاب ورغما من كشفها ومصادرة كميات ظل السعر وظلت السياسات نفسها..بشكل عام راهنا على تخفيض سعر الصرف بما ينعكس على الأسعار والقوة الشرائية و يستعاض عن زيادة الأجور لردم الفجوة المعاشية ولكن لم يؤخذ بها مع انه نظمت قوائم للحاجات الضرورية المستوردة إلا انه بالفترات الأخيرة وجدنا تصدر الكماليات و خاصة السيارات وغيرها وكذلك تراخي في مواجهة السوق السوداء المحمية علننا ومنتشرة بكل المحافظات.
هذه الأسباب أثرت في الارتفاع الأخير المترافق بضجة إعلامية هدفها محاربة البلد اقتصاديا بعد أن فشلت المواجهات الإرهابية العسكرية..أهم السبل هي الإعلام التوضيحي بشكل واقعي يشرح ما يجري ويعطي ثقة لم تفقد وسط أصعب الظروف فكيف بالظروف المسيطر عليها سياسة نقدية واضحة السلوك والأغراض ومواجهة السوق السوداء ومن يقف ورائها بعقوبات كبيرة لأنها تترافق مع محاولة تدمير البلد اقتصاديا.
و ضبط الاستيراد وخاصة أنه لا يوجد نقص بالاحتياطي والتوقعات بدخول كميات كبيرة عبر زيادة التحويلات والسياحة وعودة جزء من الأموال المهربة نتيجة ظروف البلدان المحيطة و التدهور الثقوي المالي لمصارفها.
إن مفاعيل السلوكيات الاقتصادية ذات الخلفية الإرهابية واللاانسانية خطيرة وخاصة في ظل ظروف غير مستقرة وغير مكتملة للإحاطة التامة بمنعكسات الحرب القذرة و هي ما تستدعي تكافل وتعاون جميع القوى الوطنية و سياسات استنفارية استثنائية لاحتواء ما يخطط له من زيادة تهشيم المجتمع بانتظار لحظات جاهزة لبث الفوضى و هنا لا بد من مواجهة الأدوات بقوة و مراجعة السياسات الماضية خلال الأزمة وخاصة النقدية و كذلك تصويب السياسات الإعلامية بمحتوى واقعي مقنع ويوضح للشعب ما يحصل ويشخص الواقع الذي كان هناك بعد عنه بحيث ظن الجميع أن الأزمة انتهت وعدنا لما قبلها ويبقى تجار الأزمة والدم عنوان مساهم ومساعد في مساعي أعداء الإنسانية والوطن و التحول للمواجهة القانونية العنيفة بدل من الترقيع والسلوكيات الإعلامية واجب لحماية البلد. تحصين الشعب أهم أسس المواجهة ولا يطلب هذا الشعب إلا العدالة بما لدينا من إمكانات و المساواة في الواجب الوطني وعدم التجارة بالدم الطاهر المقدس الذي سال…حان الوقت للسير بالإصلاح الإداري الشامل وفرضه لتكريس دولة القانون وتفعيل دور المؤسسات.
الخبير السوري
The post إجراء الضدّ بانتظار إجراء مضادّ..الحرب الاقتصادية على المواطن السوري واستحقاقات المواجهة غير التقليديّة appeared first on يوميات في دمشق.
from يوميات في دمشق http://bit.ly/2Gg734i